فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أولئك شَرٌّ مَّكَانًا} لأن مكانهم النار؛ وأما المؤمنون فلا شَرّ في مكانهم.
وقال الزجاج: أُولئك شر مكانًا على قولكم.
النحاس: ومن أحسن ما قيل فيه: أُولئك الذين لعنهم الله شر مكانًا في الآخرة من مكانكم في الدنيا لِما لحقكم من الشرّ.
وقيل: أُولئك الذين لعنهم الله شر مكانًا من الذين نقموا عليكم.
وقيل: أُولئك الذين نقموا عليكم شر مكانًا من الذين لعنهم الله. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)}.
يعني أخسُّ من المذكورين قَدْرًا، وأقل منهم خطرًا من سقط عن عين الله فأذلَّة، وأبعده عن نعت التخصيص فأضلَّه، ومنعه عن وصف التقريب وأبعده، وحجبه عن شهود الحقيقة وطرده. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {قل هل أُنبئكم بشرٍّ من ذلك} قال المفسرون: سبب نزولها قول اليهود للمؤمنين: والله ما علمنا أهل دينٍ أقلّ حظًّا منكم في الدنيا والآخرة، ولا دينًا شرًّا من دينكم.
وفي قوله: {بِشرٍّ مِنْ ذلك} قولان:
أحدهما: بشرٍّ من المؤمنين، قاله ابن عباس.
والثاني: بشرٍّ مما نقمتم مِن إِيماننا، قاله الزجاج.
فأما «المثوبة» فهي الثواب.
قال الزجاج: وموضع {مَنْ} في قوله: {مَنْ لعنه الله} إِن شئت كان رفعًا، وإِن شئت كان خفضًا، فمن خفض جعله بدلًا مِن {شرٍّ} فيكون المعنى: أُنبئكم بمن لعنه الله؟ ومن رفع فباضمار «هو» كأنَّ قائلًا قال: مَن ذلك؟ فقيل: هو من لعنه الله.
قال أبو صالح عن ابن عباس: من لعنه الله بالجزية، وغضب عليه بعبادة العجل، فهم شر مثوبة عند الله.
وروي عن ابن عباس أن المسخَين من أصحاب السبت: مسخ شبابهم قردة، ومشايخهم خنازير.
وقال غيره: القردة: أصحاب السبت، والخنازير: كفار مائدة عيسى.
وكان ابن قتيبة يقول: أنا أظنُّ أن هذه القردة، والخنازير هي المسوخ بأعيانها توالدت.
قال: واستدللت بقوله تعالى: {وجعل منهم القردة والخنازير} فدخول الألف واللام يدل على المعرفة، وعلى أنها القردة التي تعاين، ولو كان أراد شيئًا انقرض ومضى، لقال: وجعل منهم قردة وخنازير، إِلا أن يصحّ حديث أم حبيبة في «المسوخ» فيكون كما قال عليه السلام.
قلت أنا: وحديث أم حبيبة في «الصحيح» انفرد بإخراجه مسلم، وهو أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، القردة، والخنازير هي ممّا مُسِخ؟ فقال النبي عليه السلام: «إن الله لم يمسخ قومًا أو يهلك قومًا، فيجعل لهم نسلًا ولا عاقبة، وإِن القردة والخنازير قد كانت قبل ذلك» وقد ذكرنا في سورة «البقرة» عن ابن عباس زيادة بيان ذلك، فلا يُلتفت إِلى ظن ابن قتيبة.
قوله تعالى: {وعبد الطاغوت} فيها عشرون قراءة.
قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، ونافع، والكسائي: {وعبد} بفتح العين والباء والدال، ونصب تاء {الطاغوت}.
وفيها وجهان.
أحدهما: أن المعنى: وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت.
والثاني: أن المعنى: من لعنه الله وعبد الطاغوت.
وقرأ حمزة: {وعَبُدَ الطاغوتِ} بفتح العين والدال، وضم الباء، وخفض تاء الطاغوت.
قال ثعلب: ليس لها وجه إِلا أن يجمع فَعْل على فَعُل.
وقال الزجاج: وجهها أن الاسم بني على «فَعُل» كما تقول: عَلُم زيد، ورجل حَذُر، أي: مبالغ في الحذر.
فالمعنى: جعل منهم خَدَمة الطاغوت ومن بلغ في طاعة الطاغوت الغاية.
وقرأ ابن مسعود، وأُبيّ بن كعب، {وعَبَدُوا}، بفتح العين والباء، ورفع الدال على الجمع {الطاغوتَ} بالنصب.
وقرأ ابن عباس، وابن أبي عبلة: {وعَبَدَ} بفتح العين والباء والدال، إِلا أنهما كسرا تاء {الطاغوت}.
قال الفراء: أرادا «عبدة» فحذفا الهاء.
وقرأ أنس ابن مالك: {وعَبيدَ} بفتح العين والدال وبياء بعد الباء وخفض تاء {الطاغوت} وقرأ أيوب، والأعمش: {وعُبَّدَ}، برفع العين ونصب الباء والدال، مع تشديد الباء، وكسر تاء {الطاغوت}.
وقرأ أبو هريرة، وأبو رجاء، وابن السميفع، {وعابد} بألف، مكسورة الباء، مفتوحة الدال، مع كسر تاء {الطاغوت}.
وقرأ أبو العالية، ويحيى ابن وثَّاب: {وعُبُدَ} برفع العين والباء وفتح الدال، مع كسر تاء الطاغوت.
قال الزجاج: هو جمع عبيد، وعُبُد مثل رغيف، ورغُف، وسرير، وسُرُر، والمعنى: وجعل منهم عبيد الطاغوت.
وقرأ أبو عمران الجوني، ومورّق العجلي، والنخعي: {وعُبِدَ} برفع العين وكسر الباء مخففة، وفتح الدال مع ضم تاء {الطاغوت}.
وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وعكرمة: {وعَبَّد} بفتح العين والدال، وتشديد الباء مع نصب تاء {الطاغوت}.
وقرأ الحسن، وأبو مجلز، وأبو نهيك: {وعَبْدَ} بفتح العين والدال، وسكون الباء خفيفة مع كسر تاء {الطاغوت}.
وقرأ قتادة، وهذيل ابن شرحبيل: {وعَبَدَة} بفتح العين والباء والدال وتاء في اللفظ منصوبة بعد الدال {الطواغيت} بالف وواو وياء بعد الغين على الجمع.
وقرأ الضحاك، وعمرو بن دينار: {وعُبَدَ} برفع العين وفتح الباء، والدال مع تخفيف الباء، وكسر تاء {الطاغوت}.
وقرأ سعيد بن جبير، والشعبي: {وعَبْدَة} مثل حمزة، إِلا أنهما رفعا تاء {الطاغوت}.
وقرأ يحيى بن يعمر، والجحدري: {وعَبُدُ} بفتح العين ورفع الباء والدال مع كسر تاء {الطاغوت}.
وقرأ أبو الأشهب العطاردي: {وعُبْدَ} برفع العين وتسكين الباء، ونصب الدال، مع كسر تاء {الطاغوت}.
وقرأ أبو السمّاك: {وعَبَدَةُ} بفتح العين والباء والدال، وتاء في اللفظ بعد الدال، مرفوعة مع كسر تاء {الطاغوت}.
وقرأ معاذ القارىء: {وعابد} مثل قراءة أبي هريرة إِلا أنه ضم الدال.
وقرأ أبو حيوة: {وعُبّادَ} بتشديد الباء وبألف بعدها مع رفع العين، وفتح الدال.
وقرأ ابن حَذْلَمْ، وعمرو بن فائد: {وعَبّادُ} مثل أبي حيوة إِلا أن العين مفتوحة والدال مضمومة.
وقد سبق ذكر {الطاغوت} في سورة البقرة.
وفي المراد به هاهنا قولان:
أحدهما: الأصنام.
والثاني: الشيطان.
قوله تعالى: {أولئك شرٌ مكانًا} أي: هؤلاء الذين وصفناهم شر مكانًا من المؤمنين، ولا شرّ في مكان المؤمنين، ولكن الكلام مبني على كلام الخصم، حين قالوا للمؤمنين: لا نعرف شرًا منكم، فقيل: من كان بهذه الصّفة، فهو شرٌ منهم. اهـ.

.قال الفخر:

قيل: الطاغوت العجل، وقيل: الطاغوت الأحبار، وكل من أطاع أحدًا في معصية الله فقد عبده. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{قل هل أنبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت} الخطاب بالأمر للرسول صلى الله عليه وسلم وتضمن الخطاب لأهل الكتاب الذين أمر أن يناديهم أو يخاطبهم بقوله تعالى: {يا أهل الكتاب هل تنقمون منا}، هذا هو الظاهر.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون ضمير الخطاب للمؤمنين أي: قل يا محمد للمؤمنين هل أنبئكم بشر من حال هؤلاء الفاسقين في وقت الرجوع إلى الله، أولئك أسلافهم الذين لعنهم الله وغضب عليهم، وتكون الإشارة بذلك إلى حالهم انتهى.
فعلى هذا الإضمار يكون قوله: بشرّ أفعل تفضيل باقية على أصل وضعها من كونها تدل على الاشتراك في الوصف، وزيادة الفضل على المفضل عليه في الوصف، فيكون ضلال أولئك الأسلاف وشرهم أكثر من ضلال هؤلاء الفاسقين، وإن كان الضمير خطابًا لأهل الكتاب، فيكون شرّ على بابها من التفضيل على معتقد أهل الكتاب إذ قالوا: ما نعلم دينًا شرًّا من دينكم.
وفي الحقيقة لا ضلال عند المؤمنين، ولا شركة لهم في ذلك مع أهل الكتاب، وذلك كما ذكرنا إشارة إلى دين المؤمنين، أو حال أهل الكتاب، فيحتاج إلى حذف مضاف: إما قبله، وإما بعده.
فيقدر قبله: بشرّ من أصحاب هذه الحال، ويقدر بعده: حال من لعنه الله ولكون {لعنه الله} إن اسم الإشارة يكون على كل حال من تأنيث وتثنية وجمع كما يكون للواحد المذكر، فيحتمل أن يكون ذلكم من هذه اللغة، فيصير إشارة إلى الأشخاص كأنه قال: بشرّ من أولئكم، فلا يحتاج إلى تقدير مضاف، لا قبل اسم الإشارة، ولا بعده، إذ يصير من لعنه الله تفسير أشخاص بأشخاص.
ويحتمل أن يكون ذلكم أيضًا إشارة إلى متشخص، وأفرد على معنى الجنس كأنه قال: قل هل أنبئكم بشر من جنس الكتابي، أو من جنس المؤمن، على اختلاف التقديرين اللذين سبقا، ويكون أيضًا من لعنه الله تفسير شخص بشخص.
وقرأ النخعي وابن وثاب: أنبئكم من أنبأ، وابن بريدة، والأعرج، ونبيج، وابن عمران: مثوبة كمعورة.
والجمهور: من نبأ ومثوبة كمعونة.
وتقدّم توجيه القراءتين في {لمثوبة من عند الله} وانتصب مثوبة هنا على التمييز، وجاء التركيب الأكثر الأفصح من تقديم المفضل عليه على التمييز كقوله: {ومن أصدق من الله حديثًا} وتقديم التمييز على المفضل أيضًا فصيح كقوله: {ومَن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله} وهذه المثوبة هي في الحشر يوم القيامة.
فإن لوحظ أصل الوضع فالمعنى مرجوعًا، ولا يدل إذ ذاك على معنى الإحسان.
وإن لوحظ كثرة الاستعمال في الخير والإحسان، فوضعت المثوبة هنا موضع العقوبة على طريقة بينهم في: «تحية بينهم ضرب وجيع» {فبشرهم بعذاب أليم} ومن في موضع رفع كأنه قيل: من هو؟ فقيل: هو من لعنه الله.
أو في موضع جر على البدل من قوله: بشر.